الجمعة، 6 ديسمبر 2013

اليوم اكملت لكم دينكم

من آخر ما نزل من القرآن سورة المائدة، افتتحها سبحانه وتعالى بذكر نعمة امتن بها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : يا أمير المؤمنين ، إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ، فقال : أي آية هي ؟ قال:اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي،  فقال عمر : والله ، إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والساعة التي نزلت فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشية يوم عرفة ، في يوم جمعة . رواه البخاري 
إن الشريعة المحمدية هي آخر الشرائع التي أنزلها الله على عباده وهي الشريعة الكاملة، فكمال الدين يعنى أنه لا مجال لدخول شرائع أو أنظمة آخرى لأتمام هذا الدين وتكميله أو تحسينه وتجويده. فالكمال يعنى أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مستغنية بذاتها عن غيرها، وغيرها محتاج اليها. ومن هنا، فإن ما تنص عليه أغلب الدساتير العربية من أن الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع أو انها مصدر من مصادر التشريع، فيه على اقل تقدير-عند أخذنا الامور بحسن نية- عدم فهم لطبيعة الشريعة المحمدية، وفيه مخالفة لمعنى كمال الدين وتمامه.
 الكمال يعنى أن أي تطبيق حياتي في مجال التشريع والأنظمة خارج عن نطاق هذه الشريعة فهو ولابد استبدال الأدنى بالذي هو خير. فأي تشريع أو نظام يخالف الشريعة المحمدية هو أخذ بالأدنى وترك ما أنعم الله به علينا من شرائع وتطبيقات حياتية توافق الفطرة وتدعو الى الفضيلة في المجتمع المسلم. خذ مثالا على ذلك : المطالبات بتحرير المرأة من الحجاب، واستبدال احكام الصلح والجهاد وأحكام أهل الجزية بالمعاهدات الدولية والقانون الدولي، وتبني النظام الرأسمالي في البنوك المركزية في الدول الاسلامية ودعمها لركنه الركين (الربا) ، كل ذلك يدل على أن من قام بذلك لا يعتقد أن الدين كامل وتام.
 الكمال يعنى أن دين محمد صلى الله عليه وسلم كامل في عباداته ومعاملاته وأنظمته. فأي عبادة تُستحدث تقربا لله هي في حقيقتها استنقاص لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فبدع المولد وزيارة الاولياء والذبح لهم طلبا لنفعهم والعون والمدد منهم، والقول بأن القرآن مخلوق وغير منزل، كل ذلك دليل على أن من فعل ذلك يرى أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يبلغنا الشريعة كاملة أو أنه يستدرك على الشريعة بزعمه –فعليا- أن الشريعة غير كاملة مع أن الله تعالى قال :"اليوم أكملت لكم دينكم". كما أن أي معاملات تخرج عن القواعد الشرعية المبثوثة في أرجاء هذا الدين هي معاملات لا تأتي الا بالدمار والفساد للمجتمع التي تمارس فيه تلك المعاملات. فالتأمين على الحياة والمقامرات المبثوثة في القنوات الفضائية والدعايات التسويقية الكاذبة تغريرا للناس التي ملؤها الغرر، كل ذلك يقوض أركان المجتمع المسلم الحياتية (اجتماعية ، اقتصادية، سلوكية)  . كما أن أي احكام وأنظمة تستمد من شرائع غير دين الاسلام هي حكم بالطاغوت وايمان به، فعدم جلد الزانية والزاني غير المحصنين وعدم قطع يد السارق بحجة أن هذه احكام تخالف الاعراف الدولية والحضارة والتمدن، والاكتفاء بالسجن والتغريم المالي أو عدم العقوبة عند التراضي مع ثبوت تلك الافعال هو رضى بحكم الطاغوت وعدم رضى بدين الله "أفغير دين الله يبغون؟".
الله تبارك وتعالى قرر بعبارة محكمة صريحة لا تحتمل التأويل أن هذا الدين كاملُ لا يعتريه نقص، تام من جميع النواحي، فهو كاملُ من حيث صلاحيته لكل زمان ومكان ، مع قابليته لمواكبة تطور الحياة وتعقيداتها، يقول الله تعالى:"فإن تنازعتم في شئ فرده الى الله والرسول" أي القرآن والسنة.
الكمال يعني أن هذه الشريعة المحمدية شريعة شاملة مستوفية لجميع جوانب الحياة فعالجة أحكام الافراد والمجتمعات، والنساء والرجال، والعبادات والمعاملات، والاموال والاعراض، والسوكيات والاخلاق، والنظافة والبيئة، واحكام الحيوان، والعلاقات الدولية واحكام السلم والحرب، والعقائد والشرائع، وأحكام الكافرين في ديار المسلمين، وأحكام السفر والاقامة، الى غير ذلك من جوانب الحياة المترامية الاطراف وعلى جميع مستوياتها وخلال جميع أزمانها.
عجيبة تلك الشريعة المحمدية الكاملة بكمال مُنزلها ورضاه عنها، فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك أن جعلتني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وجعلتني ممن رضوا بك ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا.

الان تذكرتم الفساد المالي....؟!

الآن تذكرتم الفساد المالي؟!
بقلم : إبراهيم السكران
حين أفتى سماحة الإمام عبدالرحمن البراك بكفر مستحل الاختلاط المتضمن للمحرمات القطعية (التبرج، الخلوة، السفور، النظر المحرم) خرج علينا مجموعة ممن تذكروا للتو صوت العقل، وصاروا يقولون: لماذا لم يفتِ الشيخ ضد الفساد المالي؟ وأين الشيخ عن البطالة؟ وأين الشيخ عن مشكلات المستوصفات الأهلية والصرف الصحي والمطاعم المتسممة ؟ الخ الخ من مشكلات الوزارات والبلديات التي تذكروها الآن! منذ فترة طويلة والليبراليين السعوديين يقودون حملة مكثفة لإشاعة أسباب الفواحش في مجتمعنا المحلي، مؤامرات تشويه إعلامي وإقالة من الوظيفة ضد من يفتي بتحريم الاختلاط، وتأليب اجتماعي ضد ضبط الهيئة لحالات الإركاب والخلوة، وتهييج مؤسسات أجنبية ضد القضاء الشرعي في أي قضية "أعراض" وإرسال التقارير إليها بطريقة تحريضية مريبة، وتزيين وتسهيل السينما العالمية بما تتضمنه من مشاهد الفجور والفحش، وأكداس من الروايات المليئة بتصوير تفصيلي للحظات الفواحش، وتجاوز الليبراليون السعوديون في رواياتهم التصوير الجمالي للعلاقات غير المشروعة بين الجنسين باعتبارها تمرد بطولي على السائد، إلى تصوير الشذوذ الجنسي بين النساء (رواية بنات الرياض) وتصوير اللواط بتفاصيله المقززة (رواية العطايف لعبدالله بخيت)، ومقالات دورية في التهكم بفتاوى خمار الوجه، بل ووصلت مقالاتهم إلى لمز حديث الصحيحين (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، وتزيين استقبال الرجل للفتيات يوقع لهن كتبه في معارض الكتب، واستقبال المؤلِّفة للشباب توقع لهم كتبها، والتميلح في اللقاءات الفضائية مع المذيعات المتبرجات "ياسيدتي.. ياسيدتي.."، ومقالات مستمرة ضد كل الأحكام الشرعية التي تضمنت التحفظ في العلاقة بين الجنسين كسفر المرأة بلا محرم، وبالجملة فكل حكم شرعي يشرف المرأة بالحشمة والفضيلة والعفة تجدهم يكتبون ضده بشتى السبل، ويستوردون الفتاوى التي تخدم أغراضهم من كل مكان لضرب الفتوى الشرعية في قضايا الفضيلة. وبعد كل هذه الحملة الفواحشية -التي تفغر فاك وأنت تلاحق أحداثها- يأتون اليوم يقولون للبراك لماذا لاتفتي ضد الفساد المالي؟! يعني هم سيتخصصون في أمركة الفتاة السعودية وأنتم اتركونا وتكلموا عن الفساد المالي؟! بالله عليكم توقفوا أسبوعاً واحداً فقط عن إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا حتى نتمكن من التقاط أنفاسنا وحماية أعراض بناتنا ثم نتناقش معكم حول أساليب حماية المال العام إن كنتم صادقين فعلاً في حمايته ولم تكونوا جزءاً من هذا الفساد ذاته عبر مكافآت إعلامية دسمة تصلكم من هنا وهناك! أرجوكم فكروا أن تأخذوا إجازة ترتاحون فيها قليلاً من هذا النشاط المحموم في خلع خمار الفتاة والزج بها مع الشباب ثم نستطيع أن نجد وقتاً نبحث فيه عن سبل إيقاف المنح العقارية الجائرة للمسؤولين الليبراليين والرواتب الخرافية لرؤساء التحرير الليبراليين؟! بالله عليكم أين تجدون الوقت لكتابة كل هذه المقالات والروايات والحلقات والاستضافات التي تدور كلها حول الجزء السفلي للإنسان؟! والله أهنؤكم على أنه لم تصبكم السآمة والملل من دورانكم حول موضوعات لاتخرج عن الملابس الداخلية لبني آدم، حتى قال أحد الصحفيين وهو صديق لكم (المشروع الليبرالي يبدأ بالمرأة وينتهي بالمرأة مروراً بالمرأة) ! تدقون طبول الحرب على أعراض بنات المسلمين وتريدون أهل العلم أن يتخصصوا هم في موعظة المسؤولين عن بقايا الميزانية؟! طيب لماذا لاتوفرون جهدكم في سلخ أخلاق الفتيات والشباب، وتجعلون مقالاتكم عن المال العام، وستجدون الإسلاميين يوزعون مقالاتكم ويفرحون بها، كما يفرحون باستضافة د.القنيبط ومقالات الرطيان، برغم أنهم ليسوا من الإسلاميين، وإنما لأنهم يطرحون نقداً سياسياً صريحاً وواضحاً لمشكلات المجتمع المسلم المالية دون المساس بالأعراض والفضيلة. الآن تتحدثون عن الأولويات، وفقه الأولويات، وتتفجعون على الشيخ البراك بأنه لايفقه الأولويات! انظر من يتحدث؟! أنتم الذين أهملتم قضايا المجتمع المسلم وكليات الإسلام وتخصصتم في تزيين وسائل الرذائل تأتون تتحدثون عن الأولويات؟! هل بقي في وجوهكم قطرة حياء؟! حين يهجم على منزل الإنسان لصّان، أحدهما يريد أن يغتصب بنته، والآخر يريد أن يسطو على ماله، فمن الطبيعي أن يبدأ بمقاومة لص الأعراض ثم يتفرغ للص الأموال، هذا هو الترتيب البدهي لأولويات العقلاء. فأوقفوا لصوص الأعراض حتى نتفرغ للصوص الأموال ! الليبرالية في الدنيا كلها تجعل غايتها لجم الاستبداد السياسي، والليبرالية في بلدي المسكين غايتها الوصول إلى لحظة الشاطئ المختلط.. اللهم احفظ أعراض المسلمين وأموالهم ياحي ياقيوم.
ابوعمر ربيع الأول 1431هـ

التباس المفاهيم: افحكم الجاهلية يبغون؟



من عجائب هذا الزمان، انك ترى من المسلمين الموحدين من يعتقد وينصر ويدعو الى ويدافع عن احكام واعراف اهل الجاهلية ظنا منه أن في ذلك صلاح للاسلام واهله أو أن هذا من الامور التي لا تدخل ضمن نطاق الاسلام العملي أو ان هذا كان لزمان غير الزمان أو كان لمكان غير المكان. وهذا والله من الضلالة وعدم التوفيق. أهل الجاهلية هم من عملوا باحكام واعراف اهل الكفر والشرك والفساد وتحاكموا اليها مع تركهم لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. في هذا الزمان انتشرت دعاوى كثيرة للتحرر من احكام الشريعة الغراء باسم الحرية والاصلاح بدعوى ان تلك الاحكام هي اعراف لا تمت للاسلام بصلة. اختلاط مفاهيم والتباس معاني وانتشار للممارسات ليست من الاسلام في شئ، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: مفهوم الحجاب الشرعي واختلاطه بممارسات مشبوهة مثل كشف الوجه مع تزيينه وغطاء الشعر فقط مع ظهور ملامح الجسد ، مفهوم الحشمة والحياء وعدم مخالطة النساء بالرجال والتباسه بدعاوى عمل المرأة مع الرجال في بيئة واحدة مع التبسط مع النساء في الكلام وخلوتهم بهن، مفهوم اللغة العربية والمحافظة عليها والتباس ذلك باعتماد اللغة الانجليزية في التعليم وتنحيتها عن مناحي الحياة الاساسية (تعليم، تجارة، صحة)، مفهوم الفرحة الشرعية والتباسها بالاحتفال باعياد الميلاد واعياد الكافرين من راس سنة وكريسمس الخ، مفهوم اللباس الشرعي واختلاطه بممارسات آثمة كلبس القصير والضيق والشفاف للنساء امام المحارم وامام النساء ، مفهوم الربح الحلال في المعاملات المالية والتباسه بكثير من الممارسات لبيوع ربوية أو فاسدة، مفهوم الانشاد والترويح عن النفس والتباسه بالغناء والمعازف والرقص وتمايل الرجال والنساء.  مفاهيم واحكام شرعية ضلت طريقها عن افهام كثير من المسلمين.
فهل من انتفاضة صادقة من اهل الفكر والغيرة والحجة والبيان والسلطان يهدي بها الله التائهين الحيارى من امة محمد صلى الله عليه وسلم الذين اغتروا بدعاوى ضاله وبمنافق عليم اللسان؟

إني جاعل في الارض خليفة


كثيرا ما يعتري الانسان تساؤلات عن كيف بدأت البشرية؟ وما هي غاية وجودها؟ ولماذا هذا الصراع المستمر والمستعر بين الخير والشر؟ وما هي نهايتها؟ هذه التساؤلات واشباهها اجاب عنها القرآن بما لا يدع مجالا للحيرة.
فبعد أن شرع الله في تقسيم الناس في سورة البقرة الى ثلاثة اقسام : مسلمين، وكفار، ومنافقين (ولنا ان شاء الله عودة لهذه الاقسام) وقرر أول أمر امره في القرآن وهو توحيده جل وعلا والتماس تقواه، قص لنا الرب سبحانه وتعالى اول قصة سردها في القرآن: قصة نشوء البشرية والغاية من ذلك، واوضح في مواضع اخرى من القرآن كيف أن الله تعالى قد شرف آدم عليه السلام بخلقه بيده واسكانه ارض كرامته. ولكن تأمل معي رعاك الله ماذا حكى الله لنا في أول قصة في القرآن.
بدأ تبارك وتعالى القصة بحوار من أعجب حوارات القرآن، حوار بينه تعالى وبين ملائكته المقربون " اذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة". يبين الله تبارك وتعالى لملائكته أنه قد قضى أن يجعل في الارض من يقيم حُكمه وشرعه جيلا بعد جيل. فكان أن استغربت الملائكة من كون الله يخلق في الارض من يفسد فيها ويسفك الدماء ظلما وجهلا مثلا باقي الوحوش والسباع مع أن الله قادر على أن يجعل فيها من يسبح بحمد الله وينزهه عن كل نقيصة ومكروه، وذلك لما لمسوه من طبيعة هذا المخلوق، وكان أن أخفوا في أنفسهم أنهم أولى بالخلافة من آدم وبنيه. فكان جواب الله تعالى لهم: "اني اعلم ما لا تعلمون".
بين الله لنا أنه قد "علم آدم الاسماء كلها". والحقيقة،، فإن هذه من المنن التي من الله بها على بني آدم ولم يؤدوا شكرها الا من رحم. ثم عرض الله تعالى بعض مخلوقاته المختلفة على الملائكة وقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال : يا آدم أنبئهم بأسماءهم، فما أنبأهم بأسماءهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والارض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. وهنا يأتي العجب، ما علاقة استغراب الملائكة من جعل الله آدم خليفة في الارض بكون آدم يعلم الاسماء كلها؟
إن تعليم الله تعالى لآدم وذريته الأسماء كلها يعني منحه القدرة على اطلاق الاسماء على المسميات الدالة على حقيقة الجمادات والماديات والمعنويات مما يمكنه من الاختراع والابداع والتكوين والتجديد والابتكار والتصنيف والترتيب والمفاضلة والتمييز والتجميع والتفريق والتفنيد والتخصيص والتعميم والقياس والتنظير وجميع المهارات الفكرية التي تُبنى بها الحضارات. هذه المنة ليست عند الملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ولذلك قال تعالي: " ألم اقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون"، فهو يعلم أن هذا الكائن قادر على تكوين تجمعات حضرية انسانية تبتكر وتبدع وتصنع الجديد والمفيد مما مكنها الله منه، مما يهيئ لظهور حكمة الله من ابتلاء بني آدم والذي من شأنه أن تظهر بها للخلائق صفات لله لم تكن لتظهر بدون هذا التكليف وهذه الخلافة كالمغفرة والنصرة والمعية والحلم والصبر وغيرها من صفات الله الحسنى، وكالمجاهدة والجهاد والصبر والبذل والتضحية والاخلاص وغيرها من اعمال البشر الاختيارية. وهذه الخلافة جعلت من خلقه الله بيده وأمر الملائكة للسجود له ممن اتبع هدى الله ومات على ذلك أفضل من سائر المخلوقات بمن فيهم الملائكة.
ثم ختم قصة نشوء البشرية بحقيقة العداوة الدائمة بين بني آدم والشيطان، والفرق الكبير بين من عصى واستغفر وأناب وبين من عصى وتكبر، والذي أدى لتحقق رحمة الله بالمؤمنين من بنى آدم وتحقق لعنة الله للكافرين من اتباع الشيطان الرجيم. هذه القصة بهذا الاختصار وهذا الوضوح تريح الحيارى من بني آدم ممن يبحثون عن الحقيقة ولا يجدونها الا في هذا القرآن الذي لا ريب فيه هدى للمتقين. فالحمد لله على الهداية ونسأله الثبات عليها.

هم العدو فاحذرهم.... الجزء الثاني

ذكرنا في مقال سابق، كيف أن الله وصف حال طائفة من الناس عند سماعهم كلمة الله والايمان، وقت بدء نشوء الدولة المسلمة وتشكل أركانها ومقوماتها في المجتمع المدني الذي احتضن الدعوة وبايع على نصرتها. الله تبارك وتعالى عند وصف حالهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقت هجرته لم يسمهم بالمنافقين، بل اطلق عليهم قوله:"ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنيين"، وفي ذلك اشارة لبدء تشكل مجتمع المنافقين شيئا فشيئا في ظل قيام الدولة المسلمة. المنافقون لا ينفك عنهم مجتمع مسلم مهما بلغت درجة تدينه، فالمجتمعات الفاضلة كمجتمع الصحابة كان فيه منافقون كما أن المجتمعات التي تلتها الى يومنا الحاضر فيها منافقون مادام حكم الله غالب، فكما قال تعالى:" هم العدو فاحذرهم" باقون مع بقاء دولة الاسلام. ومن هنا وجب على كل متصد للدعوة محب للخير أن يتعرف على أحوالهم وصفاتهم وتجمعاتهم، ليحذرهم وليجاهدهم وليغلظ عليهم كما قال تعالى:"ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم".
المنافقون هم من بني جلدتنا يتكلمون بلساننا ويعيشون أرضنا، يخالطوننا صباح مساء، ربما في البيت أو في العمل أو في السوق أو حتى في المساجد يقول الله تعالى:"واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا". إن ادراكنا لطبيعة المجتمع المسلم وطبيعة المنافقين ومن يكونون سبب في فهم تحركاتهم واهدافهم ومقاصدهم داخل مجتمعنا مما يساهم في درء خطرهم واجتثاث فتنتهم وتقليل أثرها.
الناس في المجتمع المسلم درجات فمنهم المسلم التقي النقي الناصح لدينه واسلامه والمسلمين، ومنهم المسلم الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا ويرجو من الله تعالى أن يتغمده في رحمته، فهو مع أهل الخير والصلاح محب لهم وإن ابطأ به عمله، ومنهم المسلم الذي غلبته نفسه فمرضت ورضيت بالفسوق وانتهاك المعاصي وغشيانها صباح مساء، والتسويف مع بقاء الرجاء في رحمة رب العالمين، إلا انه يخوض مع الخائضين وقد ينصر وينتصر – شعر أو لم يشعر- لأهل الزيغ والفجور والكفر والعناد، وهؤلاء هم من سماهم الله "الذين في قلوبهم مرض"، ومنهم المسلم الذي خرج من اسلامه –علم بذلك أو لم يعلم- بممارسته لأفعال وكلامه بأقوال واعتقاده لمعتقدات ادخلته في دائرة الكافرين، وهؤلاء هم المنافقون، ومنهم، وهم قليل، الذين هم مسلمون من آباء مسلمين لكنهم أعلنوا للناس كفرهم وتركهم للاسلام وهم المرتدون.
تكمن الخطورة على المجتمع المسلم في تسلط المنافقين الذين يقولونا بألسنتهم أننا مسلمون وآباؤنا كذلك الا أنهم خرجوا منه (شعروا بذلك أو لم يشعروا)، يقول الله تعالى:"ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم"، ويقول جل في علاه: "لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم". انظر كيف أنهم آمنوا بادئ امرهم إما لعدم غشيانهم للفتنة وعدم تقاطعها مع أهوائهم أو لولادتهم من آباء مسلمين ثم كفروا بالله عن علم وقصد بعد ذلك أو كفروا عند تمكن الهوى من قلوبهم وتجذر كرههم لأوامر الدين وأهله واستهزاءهم بشرائع الاسلام وحملته. ولذلك خشي الصحابة على أنفسهم ومجتمعهم النفاق لعلمهم أنه داء قد يتمكن من القلب فيهلكه.
فالمنافق قد يؤمن حقيقة في بادئ الامر، أو قد يُحكم عليه بالاسلام لأنه من آباء مسلمين، أو قد يدعي الاسلام وهو في الحقيقة كافر في الاصل، ولذلك وصف الله تبارك وتعالى حالهم عند سماعهم دعوة الاسلام بأنهم رأوا النور وعايشوه لكنهم انطفأ عليهم فلم يستفيدوا منه، أو انهم سمعته قلبهم كما يسمع القلب صواعق البرق، فخاف لكنه لم يستجب.
كثيرٌ من الناس في المجتمعات المسلمة لا يدركون خطورة النفاق على انفسهم أو أولادهم أو مجتمعهم، لجهلهم حقيقته وظنهم أنه من السهل معرفة المنافقين أو تجنب مزالقهم. وهذا ظن خاطئ دل عليه القرآن والسنة والتاريخ الاسلامي الذي ظهر فيه من الحوادث ما دلت على شدة عداوتهم وبغيهم على أهل الاسلام والسنة. ومن هنا وجب الاشارة الى حقيقة النفاق ومعناه. فالنفاق هو حالة قلبية تنفعل لها الجوارح، تتسم بنفور القلب وكرهه لأوامر الله وشرعه وسعيه وحبه لهدم تلك المعاني والأوامر بكل ما أوتي من قدرة وقوة ولو كان بالتمني. فالنفاق في الاصل شعور قلبي يعتري القلب ويتملكه: أسه وأساسه رفض وكره اتباع شرع محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كان راضيا به.
الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز سمى كل صنف من الناس وحالهم مع الايمان باسم، فهناك المؤمنون والكافرون والفاسقون والذين في قلوبهم مرض والمنافقون، فأعطى كل اسم حقه من الوصف، لنتبينه ونفقه معناه ونعرف احكام من اتصف بوصفهم . ولكن للأسف في عصرنا هذا برع المنافقون في حرف وتنحية الاسماء الاسلامية عن واقع المجتمع، فتجد المنافق يرضى بأن يقال له ليبرالي أو علماني أو تقدمي أو ... الخ، لكنه لا يرضى بأي حال أن يوصف بالنفاق، امعانا منهم بالتخفي وحرف أوصاف القرآن عنهم، لينعموا بالتعايش مع المسلمين بسهولة وليتمكنوا من بث سمومهم بدون مقاومة من جمهور المسلمين. المنافقون قد يكونون منتمين لأهل السنة أو لأهل البدعة. فغلاة المبتدعة من الامامية الاثني عشرية وغلاة المتصوفة والدعاة المنتمين للحركات الباطنية مثل النصيرية والعلوية والدروز يدعون الدين والاسلام مع سعيهم لصرف الناس عنه بدين شرعوه من تلقاء أنفسهم اتباعا لأهواءهم وشهواتهم.
المنافقون هم من يسعون في المجتمعات الاسلامية بكل ما من شأنه تنحية سنة أو ابطال شِرعة أو اشاعة فاحشة أو تمكين فلسفات كفرية مضادة لشريعة الله، ولذلك فإن دعاوى التغريب والاختلاط واخراج المرأة من دارها وهتك حجابها وتمكين الانظمة الرأسمالية والربا في اقتصاديات الامة المسلمة والحرب على دعاة الاصلاح المحمديين الداعين للقرآن والسنة وتنحية الشريعة المحمدية من الحكم وسن القوانين المضادة لحكم الله ورسوله ومداهنة الكافرين ونصرتهم على أهل الاسلام والرضى برسوم أهل الجاهلية من أعراف وأعياد، ومشاركتهم في مناسبات كفرهم، والتخلق بأخلاقهم والدعوة اليها، وتسخير وسائل الاعلام لهدم مقومات الدين واعرافه ومسلماته، وتأخير أي مطالبات لتحكيم شريعة الاسلام من أولى اولوياتهم وأسمى غاياتهم.
وللحديث بقية،،،، وصلى الله وسلم على نبي الهدى محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم، والحمد لله رب العالمين.

لا تحزن ... إن الله معنا

حادثة الهجرة النبوية من مكة الى المدينة لتحكي لنا عن دروس وعبر تستحق التأمل والاستلهام. اشار تبارك وتعالى لحادثة الهجرة في قوله تعالى :" الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم". ذكر الله نصرته لنبيه صلى الله عليه وسلم في حادثة الهجرة في سورة التوبة مشيرا بشكل بديع للشعور النفسي الذي واكب الرفيقين في رحلتهما لله تعالى. تأمل معي رحمك الله تعالى ، ففي أكثر اللحظات حرجا في هجرتهما، وهما في الغار والمشركون فوق رؤوسهم، قال صلى الله عليه وسلم لصاحبه:"لا تحزن"، عجيب؟!. لاحظ ، هما في وضع يثير الرعب والخوف من أن يراهم المشركون فيفتكوا بهم وهم أشد الناس حرصا على الظفر به، ومع ذلك قال :"لا تحزن" ولم يقل " لا تخف". عجيب!؟ .
 المؤمنون الصادقون الذين يؤمنون بالغيب يدركون حقيقة الموت والحياة ويعلمون أن المحيي المميت هو الله وأن الدار الآخرة هي الحيوان، ولذلك، لم يدر بخلد الصديق الخوف من الموت وفراق الدنيا بمن فيها، حيث كان هذا ظاهرا في سلوكه أثناء رفقته لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الى المدينة. الصديق رضي الله عنه بلغ من خشيته وخوفه على النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمشي بين يديه ساعة، وخلفه ساعة، ومرة أمامه ومرة خلفه، فسأله عليه الصلاة والسلام؟ فقال: يا رسول الله أذكر الطلب -أذكر الناس الذين يطلبونك- فأمشي خلفك حماية لظهرك، وأذكر الرصد -الذين يترصدون- فأمشي أمامك، فقال:لو كان شيئاً أحببت أن تُقتل دوني؟ قال: إي والذي بعثك بالحق. إذن، لم يكن الخوف من الموت أو من العدو واردا في حس الصديق، بل كان شيئا اعظم من ذلك يليق بمكانة الصديق رضي الله عنه وبشرف الهجرة مع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، إنه حزنه من أن تفقد البشرية هذا الهدى والنور الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم, وأن لا ترتوي من معين النبوة الصافي ما يحقق لها السعادة في الدارين. إنه الحزن من فقد الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله عليه وسلم، إنه الحزن من فقد الذي "ما خُير بين أمرين الا اختار أيسرهما" ومن فقد الذي قيل فيه  "إنك لعلى خلق عظيم" ومن فقد الذي هو "بالمؤمنين رؤوف رحيم". كما أنه الحزن على قومه كيف أنهم يسعون ليُطفئوا نور الله الذي هم بأمس الحاجة إليه، وكيف ذهبت عقولهم فلم تستطع أن تميز الحياة من الموت والهداية من الضلالة والحق من الباطل. أنه حزن على واقعِ يُحارب الله ورسوله وعلى مستقبلِ يخاف أن يبقى كالحاضر البئيس. فجاءه جواب من لا ينطق عن الهوى:"لا تحزن إن الله معنا"، والله متم نوره ولو كره المشركون ولو كره الكافرون.
أحبتي، هل لنا في شعور واحساس مثل احساس ابي بكر وشعوره، شعور بالحزن لانتشار الجهل بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشعور بالحزن على حكام وقادة بلاد المسلمين من أمراء ووزراء كيف لا يرون أن عزهم ومصدر قوتهم ونصرهم في هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم. وهل لنا في شعور بالحزن لابتعاد المجتمعات الانسانية عن هدي النبوة الصافي؟. فهل من وقفة جادة ناصحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم لاحياء السنة المحمدية بجميع جوانبها واماتة البدعة والشرك ونبذ الخلاف وراء ظهورنا والسعي الحثيث لأن تتبوأ هذه الأمة مكانتها التي ارادها الله لها "كنتم خير أمة اخرجت للناس"؟ لا تحزنوا إن الله معنا......

ولكم في القصاص حياة

جعل الله في شريعته السمحة جزاءات لأفعال توصف في اقل احوالها أنها اعمال فاسدة تنبع من مرض اعترى فاعلها، وما كانت تلك الجزاءات والاحكام التي شرعها الله العليم بعباده الا لحماية الضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وانك لتعجب من تقرير الله تعالى بأن القصاص حياة لنا، ولعلنا أن نبحر معا لنتعرف على تلك الحياة التي من الله تعالى بها علينا.
وردت هذه الاية في معرض قتل القاتل العمد " كتب عليكم القصاص في القتلى"، وبعد أن قرر أن الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى عقب بهذه الاية ولكم في القصاص حياة. كيف يكون في قتل القاتل حياة مع أنه حسابياً قد ذهبت نفسان: نفس القاتل والمقتول؟ وكيف يكون جلد شارب الخمر وقطع يد السارق وجلد الزاني غير المحصن وقتل الزاني المحصن حياة؟ الحقيقة أن كلمة حياة في الآية أتت نكرة لتعم وتشمل روعة الحياة وجمالها بأفقها الواسع، فهي حياة آمنة، حياة عادلة، حياة واعية، حياة كريمة، حياة مطمئنة، حياة تتوق لها البشرية.
أن القصاص يجعل الحياة آمنة، فيعيش المسلم آمنا على نفسه وعرضه وماله لا يخشى تعدي ضعاف النفوس عليها. والقصاص يشيع في المجتمع العدل، فيشعر المرء بأن حقه لا يضيع وأن الشريعة كفلت له أخذ حقه بما يرضي الله في الدارين. كما أن القصاص يمد الحياة بالكرامة فيعيش افراد المجتمع ملؤهم العزة فلا يخطر ببال احدهم تسلط صاحب سلطان أو جاه أو مال على أنفسهم واعراضهم وأموالهم. القصاص يشيع في المجتمع الطمأنينة والسكينة، فلا قلق أو توتر ناتج عن رهبة أو خوف فوات مصلحة أوظلم لا يُدفع أو قهر للنفس عند التعدي عليها بأي وجه من التعدي. القصاص يعزز مبدأ وضوح الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع فيكون المجتمع مدنيا حضاريا واعيا.
 هذه الحياة التي بشر الله تعالى بها عند الانصياع لأمره وتنفيذ أحكامه بقوله "ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون" يسعى سفهاء الأحلام وضعاف النفوس لسلبها من المجتمع المسلم بدعوى التحضر ومواكبة العولمة وأنظمة الامم المتحدة، وبدعاوى الرحمة والبعد عن البشاعة وغير ذلك من دعاوى الجاهلية التي هي في ذاتها هدم للحياة التي ارادها الله تعالى لنا في هذه الحياة الدنيا، حياة الأمن والآمان والسلامة والاسلام. فهل من مدافع لهذه الدعاوى من خلال تأصيل تلك الاحكام في أرض الواقع والسعي لتثقيف الامة حيال دينها وشريعتها بما يكفل دفاع عوام المسلمين فضلا عن علماءهم ومثقفيهم عن احكام شريعتنا السمحة؟ أرجو ذلك وأتمناه...
 
د. وليد الشباني