الجمعة، 6 ديسمبر 2013

إني جاعل في الارض خليفة


كثيرا ما يعتري الانسان تساؤلات عن كيف بدأت البشرية؟ وما هي غاية وجودها؟ ولماذا هذا الصراع المستمر والمستعر بين الخير والشر؟ وما هي نهايتها؟ هذه التساؤلات واشباهها اجاب عنها القرآن بما لا يدع مجالا للحيرة.
فبعد أن شرع الله في تقسيم الناس في سورة البقرة الى ثلاثة اقسام : مسلمين، وكفار، ومنافقين (ولنا ان شاء الله عودة لهذه الاقسام) وقرر أول أمر امره في القرآن وهو توحيده جل وعلا والتماس تقواه، قص لنا الرب سبحانه وتعالى اول قصة سردها في القرآن: قصة نشوء البشرية والغاية من ذلك، واوضح في مواضع اخرى من القرآن كيف أن الله تعالى قد شرف آدم عليه السلام بخلقه بيده واسكانه ارض كرامته. ولكن تأمل معي رعاك الله ماذا حكى الله لنا في أول قصة في القرآن.
بدأ تبارك وتعالى القصة بحوار من أعجب حوارات القرآن، حوار بينه تعالى وبين ملائكته المقربون " اذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة". يبين الله تبارك وتعالى لملائكته أنه قد قضى أن يجعل في الارض من يقيم حُكمه وشرعه جيلا بعد جيل. فكان أن استغربت الملائكة من كون الله يخلق في الارض من يفسد فيها ويسفك الدماء ظلما وجهلا مثلا باقي الوحوش والسباع مع أن الله قادر على أن يجعل فيها من يسبح بحمد الله وينزهه عن كل نقيصة ومكروه، وذلك لما لمسوه من طبيعة هذا المخلوق، وكان أن أخفوا في أنفسهم أنهم أولى بالخلافة من آدم وبنيه. فكان جواب الله تعالى لهم: "اني اعلم ما لا تعلمون".
بين الله لنا أنه قد "علم آدم الاسماء كلها". والحقيقة،، فإن هذه من المنن التي من الله بها على بني آدم ولم يؤدوا شكرها الا من رحم. ثم عرض الله تعالى بعض مخلوقاته المختلفة على الملائكة وقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال : يا آدم أنبئهم بأسماءهم، فما أنبأهم بأسماءهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والارض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. وهنا يأتي العجب، ما علاقة استغراب الملائكة من جعل الله آدم خليفة في الارض بكون آدم يعلم الاسماء كلها؟
إن تعليم الله تعالى لآدم وذريته الأسماء كلها يعني منحه القدرة على اطلاق الاسماء على المسميات الدالة على حقيقة الجمادات والماديات والمعنويات مما يمكنه من الاختراع والابداع والتكوين والتجديد والابتكار والتصنيف والترتيب والمفاضلة والتمييز والتجميع والتفريق والتفنيد والتخصيص والتعميم والقياس والتنظير وجميع المهارات الفكرية التي تُبنى بها الحضارات. هذه المنة ليست عند الملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ولذلك قال تعالي: " ألم اقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون"، فهو يعلم أن هذا الكائن قادر على تكوين تجمعات حضرية انسانية تبتكر وتبدع وتصنع الجديد والمفيد مما مكنها الله منه، مما يهيئ لظهور حكمة الله من ابتلاء بني آدم والذي من شأنه أن تظهر بها للخلائق صفات لله لم تكن لتظهر بدون هذا التكليف وهذه الخلافة كالمغفرة والنصرة والمعية والحلم والصبر وغيرها من صفات الله الحسنى، وكالمجاهدة والجهاد والصبر والبذل والتضحية والاخلاص وغيرها من اعمال البشر الاختيارية. وهذه الخلافة جعلت من خلقه الله بيده وأمر الملائكة للسجود له ممن اتبع هدى الله ومات على ذلك أفضل من سائر المخلوقات بمن فيهم الملائكة.
ثم ختم قصة نشوء البشرية بحقيقة العداوة الدائمة بين بني آدم والشيطان، والفرق الكبير بين من عصى واستغفر وأناب وبين من عصى وتكبر، والذي أدى لتحقق رحمة الله بالمؤمنين من بنى آدم وتحقق لعنة الله للكافرين من اتباع الشيطان الرجيم. هذه القصة بهذا الاختصار وهذا الوضوح تريح الحيارى من بني آدم ممن يبحثون عن الحقيقة ولا يجدونها الا في هذا القرآن الذي لا ريب فيه هدى للمتقين. فالحمد لله على الهداية ونسأله الثبات عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق